لقاء صحيفة الوطن السعودية

لقاء صحيفة الوطن السعودية - Prince Talal Bin Abdulaziz article

لقاء صحيفة الوطن السعودية

صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز

رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية ( أجفند ) ومبعوث اليونسكو الخاص للمياه

نشر بتاريخ 01 ديسمبر 2003

منال الشريف

الوطن :

يعكس توزيع المياه في المنطقة تبايناً شديداً  ... ففي الوقت الذي تعاني فيه بعض الدول زيادة المياه وما يصاحبها من سيول وفيضانات مدمرة تعاني دول أخرى الجفاف الشديد والتصحر .

سمو الأمير :

 صحيح ، وهذا بالطبع عائد لعوامل الجغرافيا والمناخ . المناخ صار يتغير بسرعة من جراء اعتداءات الإنسان على البيئة ، والخطر المحدق بطبقة الأوزون معروف، وخبراء البيئة يصدرون التحذيرات تباعاً من التحولات الدراماتيكية التي يشهدها المناخ ، فالمسائل البيئية بعضها مرتبط بالبعض . وتوزيع المياه جزء من هذه التحولات ، ولذلك فالعالم مطالب بوقفة صادقة لإعادة النظر في التعامل مع البيئة ، هي مسؤولية  تضامنية ويجب أن تتولاها دول العالم مجتمعة لأن التطورات السلبية لا تقتصر على دولة واحدة أو مجموعة دول فحسب ولكن التأثير واضح على مستقبل الإنسان على كوكب الأرض.

في ما يختص بالمياه أصبح موضوع ندرة المياه يتطور في كثير من الدول إلى درجة الأزمة والكارثة. فمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعد  أكثر مناطق العالم ندرة في المياه . فبينما يقطن هذه المنطقة 6.3  % من سكان العالم فإنها تحتوي فقط على 1.4 % من المياه العذبة المتجددة. (15 ) دولة  من الدول التي تعاني ندرة المياه في العالم تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و12 دولة من هذه دول عربية. والدول التي تعاني ندرة المياه - التعريف الدولي للندرة - هي التي يقل فيها نصيب الفرد السنوي من المياه العذبة عن 1000 متر مكعب . إن بلدانا نامية كثيرة سوف تواجه مشكلة نقص في المياه في المستقبل القريب وهذا راجع – في الأساس – إلى الطلب المتزايد على المياه في ظل معدلات النمو السكاني المتسارعة، وإلى تحسن مستويات المعيشة، والنمو الصناعي، والاتجاه نحو سكنى المدن. ويعد نصيب الفرد العربي من المياه أدنى نصيب للفرد في العالم حيث تراجع من 3300 متر مكعب سنوياً عام 1960 إلى 1250 متراً مكعباً عام 2000، ومن المتوقع أن يتراجع إلى 650 متراً مكعباً عام 2025 م وذلك من جراء تزايد السكان ؟

الوطن:

على الرغم من أن العالم العربي يمر بضائقة مائية فإن إدارة موارده المائية تعكس تناقضا، فالعرب يستغلون فقط نصف مواردهم المائية المتاحة ويزرعون ثلث المساحة القابلة للزراعة لديهم وفي الوقت نفسه يستوردون أكثر من 50% من احتياجاتهم الغذائية.

سمو الأمير:

المشكلة لا تتعلق فقط بالطلب المتزايد الذي يفرضه النمو السكاني المتسارع الذي يجب النظر فيه بجدية حيث أنه يشكل خطراً علينا الآن وفي المستقبل المتوسط والبعيد ، وإنما تتعلق أيضاً بضعف كفاءة المؤسسات القائمة على أمر إدارة المياه في بلدان العالم النامي التي تواجه شحاً مائياً. وكذلك بنقص الخبرات والكفاءات المؤهلة للقيام بالبحث والتطوير، والتشغيل والصيانة في المسائل المتعلقة بإدارة الموارد المائية. إذا كنا نعاني شحاً وندرة في (شريان الحياة) فلا أقل من أن نتخذ من الإجراءات والخطوات ما يعيننا على ضبط الاستهلاك، أليس ذلك ما يحدث مع السلع والخدمات التي يحدث فيها قصور في أوقات الأزمات والحروب ؟ فهناك التوزيع بالبطاقات، وتحديد الكميات.

 للأسف لشدة ما اعتدنا على الإسراف في استهلاك  المياه  وتبذيرها لم نعد نشعر بقيمتها. في اعتقادنا ليس أمام الدول التي تعاني شحاً مائياً سوى تحسين نظم وأساليب إدارة الموارد المائية، ورفع كفاءة مؤسساتها العاملة في هذا المجال لتقليل الفجوة بين المعروض من المياه وبين الطلب المتزايد لسد حاجات التنمية. فالنظرة للمياه لا ينبغي أن تكون فقط من الزاوية الاقتصادية الاجتماعية فهناك البعد السياسي والبعد البيئي.

الوطن:

سموكم من الذين لفتوا مبكراً لخطر مشكلة المياه في المنطقة وفي السعودية خاصة، هل ترون أن ما حذرتم منه قد وقع أم أن السلطات تنبهت واتخذت التحوطات اللازمة ؟

سمو الأمير:

اهتمامي بقضايا المياه نابع من اهتمامي العام بالقضايا التي تخص الإنسان ومستقبله. تعلمين أن المجتمعات الحية النابضة تدير شؤونها وعينها على الأجيال القادمة. ولذلك فإن مقاييس ومعايير تحقيق التنمية  لم تعد تلك المعايير التقليدية التي تسجل أي تنمية على أنها إنجاز بصرف النظر عن كيفية حدوث الإنجاز ، فتحقيق التنمية ليس كافياً، وإنما الأهم هو ألا تأتي هذه التنمية على حساب الأجيال القادمة أو على حساب البيئة، و هذا هو جوهر مفهوم التنمية المستدامة .

 ومن هذا المنطلق وجهت اهتمامي إلى المياه لأنني بحكم التعامل مع عدد كبير من المنظمات الأممية والدولية والإقليمية المعنية بالتنمية أعلم جوانب عن مستقبل المياه في العالم ومشكلات المياه في منطقتنا وفي السعودية تحديداً، ولذلك قمت في العام 1992 م بالرفع إلى خادم  الحرمين الشريفين  الملك فهد  بما وقفت عليه من أخطار ستواجه بلدنا إذا لم تعد النظر في سياساتها المائية.  وقد اتخذت بعض الإجراءات الضرورية بهذا الخصوص في حينه .  وكان من أهم  مقترحاتنا التي  طرحناها في ذلك الوقت الوقف الفوري لزراعة المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل الحبوب والأعلاف .

وقد اعتمدت في قراءاتي لمستقبل المياه في السعودية على أكثر من عامل ، ولعل من أهم العوامل المؤثرة النمو السكاني  فلابد أن تكون لنا وقفة عند مسألة تسارع معدلات النمو السكاني وعلاقتها بأزمات نقص المياه في المستقبل. إذ تساهم الزيادة السكانية في البلدان النامية في مفاقمة مشكلة المياه في ظل عدم زيادة المعروض بالتوصل إلى مصادر جديدة للمياه.

وتظهر تلك الأزمة بوضوح في الدول العربية، وخصوصاً في منطقة الخليج واليمن والأردن. في السعودية معدل النمو السكاني يتراوح بين 3.7% إلى 3.9% سنوياً تقريباً ( 65 مليون نسمة عام 2025 م ) وهو من المعدلات الكبيرة التي تنذر بأزمات في المستقبل القريب في ظل نقص الخدمات وفي مقدمتها  ندرة الموارد المائية.

الوطن:

في أعقاب تولي سموكم مهمة مبعوث اليونسكو للمياه طرحتم فكرة جديدة لمواجهة أزمة المياه في المنطقة، وهي الهجرة الداخلية والخارجية إلى حيث المياه وفيرة. هل تلاقي هذه الفكرة القبول، وهل هي منطقية وواقعية خاصة في ظل الظروف والمستجدات التي تشهدها المنطقة ؟

سمو الأمير:

كمبعوث اليونسكو الخاص للمياه، نقوم ببعض  المهام المتعلقة بالمياه منها إثارة موضوع المياه مع المسؤولين وفي المؤتمرات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، كما دعينا لتأسيس مراكز وطنية لأبحاث المياه وحث الدول على وضع السياسات والاستراتيجيات لمجابهة مشكلات المياه و إيجاد هياكل مؤسسية وتنظيمية لإدارة موارد المياه، وبذل المساعي الحميدة لحل الخلافات الناشبة بين الدول بسبب مشكلات المياه ، خاصة الدول التي تشترك في منابع ومصاب الأنهر  حيث يخشى ما يسمى بحروب  المياه  في المستقبل .

أما رؤيتي المتعلقة بمواجهة الدول لأزمات النقص الحاد في المياه هو أن تنتهج سياسات مبتكرة وغير تقليدية في مواجهتها. ومن ذلك إجراء دراسات حول نقل وتهجير السكان من المناطق التي تعاني نقصاً في المياه إلى مناطق تتمتع بوفرة داخل الدولة، ويمكن إذا ثبت من خلال الأبحاث أن مخزون المياه سوف يتناقص إلى درجة النضوب في منطقة ما بدولة معينة، أن يتم التفكير في نقل السكان من هذه الدولة إلى دولة أخرى مجاورة لا تواجه أزمة في المياه، مع اتخاذ كل الاستراتيجيات التي تسهل عملية النقل من الناحية السياسية والاجتماعية والمالية.

اعتقد هذه الفكرة أصبحت تفرض نفسها حتى من دون تدخل السلطات ، فأزمة المياه تضطر الملايين إلى النزوح من قراهم . إذا هي واقعية ويمكن أن تكون ناجحة إذا تم التخطيط لها من جميع الجوانب والأبعاد. فعندما نقول بالنزوح أو الهجرة بحثاً عن الماء فإننا نتحدث عن الاختيار بين الحياة و الموت.

الوطن :

التحلية والمياه الجوفية المصدران الوحيدان للمياه في السعودية ، ما رؤية سموكم للتعامل مع هذين المصدرين مع ما يحيط بهما من آثار وتبعات كالتكلفة الباهظة وخطر النضوب .

سمو الأمير :

التحلية مكلفة جداً و لا سبيل في  الوقت الحاضر  غير التعامل معها في ظل عدم وجود البديل ، وأما المياه الجوفية ، وهي الخزانات الأرضية التي تكونت عبر سنوات طويلة . وجميع الدر اسات  تؤكد أن المخزون الجوفي لدينا في تناقص مستمر  بسبب الاستنزاف الهائل من هذا المخزون مما يشكل خطراً داهماً في المستقبل القريب ، ومن أخطر المؤشرات على ذلك جفاف الكثير من العيون المعروفة مثل الأحساء  والأفلاج والخرج   ووادي فاطمة، بالإضافة إلى الآبار التي قلت مياهها أو إنها في سبيلها إلى ذلك ، وزيادة نسبة الأملاح فيها مما يجعلها غير صالحة للشرب .

 الوطن :

هناك من يقلل من خطر مشكلة المياه في السعودية بل يتفاءل بمستقبل المياه لدينا إلى حد تضخيم حجم المياه الجوفية وتصويرها على أنها تساوي الكميات المتدفقة من النيل مدة 300 عام ، وهناك من  يقول إن أمطار السعودية تكفي سكان الصين . وعلى الجانب الآخر يرى البعض أن الخطر المائي داهم وأن الاستنزاف الشديد للمياه الجوفية يهدد باختفاء جزء كبير من القطاع الريفي خلال جيل واحد ، ولذلك يستدعي الأمر متابعة مستمرة وعقد مؤتمر سنوي لمواجهة الخطر  القادم ، ووضع سياسات واضحة وحاسمة بشأن المحاصيل الزراعية التي تستهلك كميات أكبر من المياه . من واقع متابعة سموكم هذه القضية عن قرب  ما تقولون عن الفريقين .

سمو الأمير :

الجدل الذي دار بين الفريقين استمر مدة من الزمن . واعتقد أنه بدأ بما ذكره الدكتور فاروق الباز عن نهر جوفي في الربع الخالي ،  ثم  ذكر الدكتور  بكر عبدالله بكر المدير السابق لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن أنه لدينا مخزون من المياه الجوفية يكفي 300 عام وفق معدل استهلاك المياه قبل عشرين عاماً في المملكة، وأخيراً ذكر الدكتور  إبراهيم التركي أن الأمطار التي تهطل في السعودية تكفي أكثر من ألفي مليون نسمة . لشدة اهتمامي بكل ما يثار عن وضع المياه في المملكة حرصت على التواصل مع هؤلاء .

أنا أقول في النهاية لا يصح إلا الصحيح وعلينا الاحتكام للأرقام والإحصاءات ، السعودية ستحتاج إلى 170 بليون متر مكعب من المياه عام 2020 م هل لدينا هذه الكميات . الحقيقة مازالت غائبة  في غياب الأرقام والإحصائيات الدقيقة والصحيحة ـ وهذا شأننا وشأن العرب جميعهم في مختلف القضايا المصيرية ـ  ولكن ما أصبح مؤكداً وغير قابل للشك هو أن المخزون الجوفي في تناقص شديد.

لدي تصور لجعل توجهاتنا المائية أكثر علمية وموثوقية ، ولتستفيد الجهات البحثية ، وحتى لا يتكرر التضارب الحادث في المعلومات والأرقام ، فلنوجد جهة واحدة ربما تحت أسم  المجلس الأعلى للمياه مثلاً ، وتكون هذه الجهة مهمتها القيام بتقويم دوري لحجم المخزون والمصادر الجديدة، ومراقبة المصادر الموجودة فعلاً. وتكون هذه الجهة بمثابة بنك معلومات وطني يجمع كل التقديرات حول الموارد المائية في الدولة، ويعنى بصنع السياسات والاستراتيجيات المختلفة في تنفيذ هذه السياسات.

وكم أتمنى أن أرى قيام  مركز لأبحاث المياه  إما في إحدى الجامعات السعودية، وبالأخص  في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أو يكون مركزاً مستقلاً ، يضم خبرات وكفاءات  سعودية بالاستعانة بخبرات دولية. وتوكل لهذا المركز المتخصص مهمة البحث في مستقبل المياه في السعودية والبدائل التي يراها  متاحة لخدمة بلادنا الحبيبة.

الوطن :

لقد أشرتم سموكم إلى ما أعلنه الدكتور فاروق عن مياه الربع الخالي وأحدث ضجة كبيرة ، ترى لماذا لم تتخذ المملكة حتى الآن أي إجراءات في هذا الموضوع رغم ثقل ميزانية تحلية المياه ؟

سمو الأمير :

 الدكتور الباز  استند في ما قاله إلى  خرائط التقطت من الأقمار الصناعية  ، ويذكر  أن لديه دلائل ومؤشرات متعددة  . والحقيقة أنه لم تثبت حتى الآن نظرية  ما ذكره  الدكتور الباز عن ذلك في الربع الخالي .

الوطن :

مشروع جبل الجليد ( أيس بيرج ) الذي اقترحه سمو الأمير محمد الفيصل في السبعينيات الميلادية من القرن الماضي أثار جدلاً واسعاً و لاقى القبول لدى البعض وظل أملاً يداعب مخيلات كثيرين . ما الموقف الذي اتخذه الأمير طلال من هذه الفكرة ؟ ولماذا لم تر الفكرة النور؟

سمو الأمير :

الحقيقة أنه  لم يطرح هذه الفكرة  فقط ، ولكنه تعرض إلى أن الدراسات التي لديه تشمل جميع مصادر المياه  المجاورة للسعودية  بالإضافة إلى ما قام به من بدائل أخرى.مثل جلب مياه من النيل في السودان، من تركيا ، من العراق ، من الباكستان ، بل من جزر في المحيط. في اعتقادي لا نستطيع أن نحكم على أي من البدائل التي طرحت والتي تطرح اليوم وغداً إلا من خلال إخضاعها للمعايير التي اشرنا إليها سابقاً وهي : البعد الاقتصادي ، السياسي الاجتماعي ، البيئي . بعض المقترحات بدت خيالية ولكن تظل العبرة بمطابقة المعايير .

الوطن :

هناك من يرى أن إنشاء وزارة للمياه في السعودية  وتعيين وزيراً لها تعد البداية الحقيقية والصحيحة للتعامل الموضوعي مع مشكلة المياه . . هل تأخرت هذه الخطوة ؟ وما المطلوب لإدراك ما قد فات وتدارك ما وقع من أخطاء .

سمو الأمير :

نعم تأخرت ، ولكن اعتقد أن اختيار رجل مثل الدكتور القصيبي لهذه  المهمة  سيحقق الكثير إن شاء الله. ولتدارك ما فات  لا بد أن تكون الخطوات عملية وأن تولي الوزارة الاهتمام اللازم  بالدراسات والبحوث .

الوطن :

ألا ترون أننا بحاجة إلى تشريعات وأنظمة لحماية مصادر المياه من الهدر والري الجائر والاستهلاك غير المرشد ؟

سمو الأمير :

في اعتقادي هذه مسؤولية مجلس الشورى ، أن يطالب بسن أنظمة وقوانين وإصدار قرارات. حقيقة الأمر يقتضي الإسراع في كل شيء من شأنه ترشيد استخدام المياه وتوعية المواطنين بذلك واللجوء إلى سياسات متنوعة في مجال الترشيد، مثل فرض رسوم على استهلاك المياه في الأغراض المنزلية أو زيادة هذه الرسوم إذا كانت مفروضة من قبل بحيث تكون تصاعدية تحقيقاً للعدالة، إضافة إلى ضبط التسربات المختلفة. وقبل ذلك كله التوقف الفوري والنهائي عن زراعة كل أنواع الحبوب والأعلاف الأكثر استهلاكاً للمياه، حيث أنها تستنزف أكثر من 80% من مصادر المياه الرئيسية الجوفية.

الوطن :

التكامل الغائب بين الدول العربية هل يتحقق في مجال المياه ؟ وهل يكون التنسيق  للاستفادة من المصادر المائية الوفيرة في بعض الدول العربية بديلاً لفكرة التهجير .

 

سمو الأمير :

كما اسميتيه التكامل الغائب ، هو بالفعل غائب ، غائب في كل مجال  وخاصة في المياه ، هذا بالرغم من أن جميع الوقائع تؤكد ضرورة هذا التكامل والتنسيق . فالمنطقة العربية تعاني من وضع جغرافي سياسي يجعل مشكلة المياه فيها أكثر تعقيداً، فأغلب منابع المياه العذبة التي تغذي الأنهار الكبرى في المنطقة العربية تقع في دول غير عربية، وتتحكم 8 دول من دول الجوار الجغرافي في أكثر من 80% من حصة المياه العربية . التكامل والتفاهم والتنسيق أمور تفرض نفسها أمام هذا الواقع ولكن للأسف  لا نرى ذلك بين الدول العربية . وحتى فكرة الهجرة التي طرحتها هي أيضاً لا تتم ولا تنجح بدون آليات تقوم على التنسيق ونابعة من التكامل .

الوطن :

هل تخلى العرب عن قضاياهم القومية والمصيرية ، ومنها قضية الأمن المائي ؟ كما أن هناك علامة تعجب بشأن الموقف العربي وموقف الجامعة العربية في هذا الصدد ، لأنه ليس من المعقول أن تطلب الجامعة من المواطن العربي الذي يموت عطشاً أن ينتظر مرور سحابة القمة العربية حتى يشرب ، وهي تعلم أن هذه السحابة لن تمر .

سمو الأمير :

لقد كنت  ولا أزال متفائلاً ،  والحمد لله ،  في ما يتعلق بتطور مواقف العرب من القضايا المصيرية والاستفادة من الجامعة العربية إلى أقصى حد في ذلك ، ولكن للأسف يبدو أن الأمور تمضي في اتجاه لا يشجع على التفاؤل ، فهناك تراخي عربي غريب عن تطوير موقفهم الجمعي إزاء القضايا الكبرى .  العرب  يتعاملون مع مثل هذه القضايا  بردات الفعل وينتظرون النتائج . ولذلك لا ينبغي أن نستغرب غياب توجه عربي نحو الأمن المائي .  فالأمن المائي جزء من منظومة أمن شامل  . فالعرب اتخذوا قرارات متعددة كالدفاع المشترك ، والسوق العربية المشتركة ، ومحكمة العدل العربية وغيرها كثير  ولكن للأسف كل هذه القرارات مجمدة ويبدو أنه حتى هذه اللحظة  ليس هناك بريق أمل  لتحريك مثل هذه القرارات المهمة .

الوطن :

يتردد أن الكويت تعتزم استيراد مياه من إيران، فهل يمكن للسعودية أن تحذو حذو الكويت وتستورد مياه من السودان، أو من العراق في حال أقامت تركيا تنسيقاً بينها وبين كل من العراق وسورية في توزيع مياه دجلة والفرات؟

سمو الأمير :

تظل البدائل كلها مطروحة إذا استوفت المعايير التي أشرنا إليها .

الوطن :

 هل ما يتردد عن صراعات محتملة بين بعض الدول بسبب شح المياه هو تصور واقعي أم مبالغ فيه؟ وعلى خلفية العلاقات المتنامية بين تركيا وإسرائيل فهل المياه عنصر في التمحورات والتحالفات الإقليمية المتغيرة ؟

سمو الأمير :

التصور واقعي ، بل هو مما نعيشه ونلمسه خاصة في الصراع العربي الإسرائيلي ، وحروب المياه مما تحذر منه الأمم المتحدة وتحاول إيجاد آليات لامتصاص الاحتكاكات بين الدول المتصارعة على موارد مياه ، ومن بين مهمات مبعوث اليونسكو للمياه تخفيف وطأة الصدامات التي تحدث حول مصادر المياه وإحلال لغة التعاون والتنسيق والتفاهم مكان الاحتراب في مسائل توزيع حصص المياه أو إقامة السدود والمشروعات المائية الكبيرة علي الأنهار المشتركة .

 الوطن :

بالتأكيد لقد وقفتم خلال جولات سموكم العالمية في إطار مهمة مبعوث اليونسكو للمياه على ما تقدمه المراكز العلمية من دراسات تستقرىء مستقبل مشكلة المياه ، ما درجة اهتمام العالم العربي بالتعاطي العلمي مع هذه المشكلة، وهل الجامعات ومراكز البحوث العربية مؤهلة للقيام بهذا الدور ؟

سمو الأمير :

 لا يجب أن  نتعامل مع هذه الأزمة بنفس الطريقة التي نتعامل بها - نحن العرب -  مع مشكلاتنا جميعاً، فدائماً العرب يتركون مشكلاتهم لتحل نفسها مع الوقت معتقدين أن الزمن كفيل بحل أي مشكلة في حين أن الواقع يقول أن كل مشكلة لا نبادر بالالتفات إليها في بداياتها تتحول معضلة تقض المضاجع، وتهدد المستقبل. التصور العربي المغلوط  حول كيفية التعامل مع المشكلات والقضايا نابع من غياب الدراسات في حياتنا، فجميع قراراتنا تتخذ بعيداً عن المعلومة ولذلك فنحن نتخبط في حين غيرنا في المجتمعات المتقدمة لا يخطو خطوة مصيرية إلا بناء على دراسات معمقة واستشارات ونصائح مراكز البحوث المتخصصة . خلال جولاتي وقفت على حقائق مذهلة : أليس مستغرباً أنهم في الغرب يعلمون أكثر منا عن أوضاعنا المائية ففي هولندا  على سبيل المثال  أثناء إحدى زياراتي الرسمية قمت  بزيارة معهد مرموق مختص في المياه  وألقيت كلمة فيه  ، وأتضح لي أن هذا المعهد يحتفظ  بمعلومات كثيرة ومهمة  عن الأوضاع المائية في البلدان العربية وأكاد اجزم أن أي من جامعاتنا أو مراكز البحوث  ـــ إن  وجدت ــــــ في المنطقة العربية لا تملك تلك المعلومات.

الوطن : 

ما دور برنامج الخليج العربي (أجفند) والمؤسسات التنموية الأخرى التي ترعونها سموكم في إيجاد استراتيجية عربية لمواجهة المشكلة المائية في المنطقة ؟

سمو الأمير :

(أجفند) ضمن استراتيجيته التمويلية يقوم بدعم المشروعات المعنية بالتنمية المائية  وتوفير مياه الشرب الصحية ليس فقط  باعتبار ذلك من الاشتراطات الصحية والتنموية الضرورية بل لأنها من أهم حقوق الإنسان . ومن أحدث المشروعات المائية التي تبناها أجفند تأسيس صندوق خاص لدعم مشروعات اليونسكو في مجال المياه . وأجفند لا يتوانى عن دعم المشروع الذي يتوافق مع معاييره.

الوطن :

 هل تشكلت ثقافة مجتمعية تجاه مشكلة المياه ، وما رؤية سموكم لتعزيز مثل هذه الثقافة في مجتمعنا؟

سمو الأمير :

مجتمعاتنا العربية ما تزال بعيدة عن هذه الثقافة التي يجب أن تضمن في المناهج الدراسية وتكون جزءاً أساسياً في رسالة الإعلام حتى ينشأ الطفل وهو يدرك أهمية ترشيد استهلاك الماء وعدم الإسراف.