لقاء مجلة مركز الملك فهد الوطني لأورام الأطفال
مارس 2004
أجراه عبد الوهاب بن عبد الله الخميس
سمو الأمير طلال :
المسألة ليست مجرد دافع ، بل تنشئة وتوجه ، فالاهتمام بالشأن العام وبالإنسان خاصة، توجه اكتسبته من الملك عبد العزيز ، رحمه الله ، وبدأ هذا التوجه ينمو في داخلي وينعكس في صور متعددة من الأعمال التي تعنى بالإنسان عموماً ، والمحتاجين من الأطفال والنساء على وجه الخصوص . ولما رأت الأمم المتحدة أن توجهاتي تتلاقى مع نشاطات صندوق الأمم المتحدة للطفولة ( يونسيف ) كلفتني في الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي بأول منصب من نوعه وهو المبعوث الخاص لليونسيف ، لتسليط الاضوء ولفت الاهتمام بقضايا الطفولة.
وخلال اضطلاعي بتلك المهمة زرت معظم الدول النامية ووقفت على حقائق مذهلة عن أحول الناس وبالذات الأطفال والنساء الذين يعيشون في أوضاع بائسة في ظل الحرمان والفقر وضيق الفرص . ورأيت كيف أن الأمم المتحدة تبذل جهوداً جبارة لمكافحة الأمراض وخفض وفيات الأطفال والأمهات وتوفير فرص العيش الكريم لهذه الفئة ، وخلال جولاتي أيضاً فكرت في كيفية دعم جهود الأمم المتحدة ، ليس فقط بالترويج لنشاطات منظماتها الإنمائية ، ولكن بتقديم مايعينها على تعزيز نشاطاتها التنموية وتوسيع نطاقها ، وقلت لماذا لا تكون هنالك مؤسسة أو منظمة عربية تساعد في الجهد التنموي للأمم المتحدة ، ما هي الدول العربية قادرة على الإسهام في تاسيس مثل هذه المنظمة ؟ بالطبع دول الخليج ، فدول الخليج العربية هي المانحة والعون التنموي العربي هو خليجي في الأساس عبر الصناديق العديدة المخصصة في كل دولة .
المهم عندما تبلور التصور وأصبح واضحاً طرحت الفكرة على خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ، ولم يتوان حفظه الله ، فأيد الفكرة ووجه بدعمها ، وكذلك تجاوب الأخوة قادة الدول الخليجية الأخرى . وهكذا تم تأسيس أجفند في العام 1980م ( أول منظمة من نوعها ) للمساهمة في دعم وتمويل مشروعات منظمات الأمم المتحدة الإنمائية . وفي ما بعد توسعنا في نشاطاتنا باستقطاب شركاء تنمويين آخرين نقوم بمساعدتها مثل الجمعيات الأهلية ، وبعض الجهات الحكومية التي لديها مشروعات تنطبق عليها معايير أجفند . والآن تجاوز عدد المشروعات التي ساهمنا في تمويلها الـ 900 مشروع في مجالات الصحة والتعليم والبناء المؤسسي والتنمية الخاصة، واستفادت من هذه المشروعات 130 دولة نامية.
وطموحنا في تقديم الدعم التنموي لم يقف عند مجرد المساهمة المالية عبر ( أجفند ) في المشروعات التي تقترحها المنظمات والجمعيات ، بل ( أجفند ) نفسه بدا ينشىء منظمات تشارك في تعزيز الفكر التنموي وتدعم المشروعات في الوقت نفسه ، مثل : المجلس العربي للطفولة والتنمية ، مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث ، الجامعة العربية المفتوحة ، بنك الفقراء . . إلخ.
سمو الأمير طلال :
دعم المشروعات الهادفة لمعالجة المشكلات الصحية التي تواجه الأطفال أولوية في استراتيجية ( أجفند ) ، وتقوم إدارة المشاريع في أجفند باختيار المشروع الذي يستوفي شروط التمويل وتنطبق عليه المعايير . ولـ ( أجفند ) لجنة إدارة تدرس المشروعات المقترحة للتمويل وتقر ماهو مناسب . وإذا قدم مشروع في مجال التوعية بأورام الأطفال وانطبقت عليه المعايير فسيكون جديراً بالدعم . فعلى سبيل المثال هناك تعاون مثمر مع مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث وقمنا بدعم نشاطات مركز الصرع فيه ، وهذا المكز نفسه فاز بجائزة أجفند ، ومثل هذا التعاون ممكن مع مركز الملك فهد لأورام الأطفال لو تمت دراسة الكيفية من خلال لجنة مشتركة من المركز و(أجفند ).
سمو الأمير طلال :
علاقة أجفند بالمؤسسات ومراكز الابحاث جيدة سواء من حيث تمويل مشروعاتها أو من حيث إشراكها في ترشيح مشروعات لنيل جائزة أجفند العالمية .
سمو الأمير طلال :
نوعية البرامج يتم تحديدها في ضوء إمكانيات تنفيذها ، وهذا من الأفضل أن يتم بالتفاهم بين المختصين من أجفند والمركز ، وبناء على التجارب السابقة فـ ( أجفند ) يمكن أن يوفر لمراكز الابحاث والمراكز التخصصية الموارد المالية والخبرات العلمية .
سمو الأمير طلال :
التنمية البشرية في كثير من جوانبها معنية بتطوير القدرات وترقيتها لأن ذلك مرتبط بتوسيع الفرص والخيارات أمام الناس ، ولذلك فـ ( أجفند ) مهتم بكل ما يوسع الفرص وتغيير أوضاع الناس وأحوالهم إلى الأفضل وفي مقدمة ذلك التعليم والتدريب وعلى هذا الاساس يساهم في تمويل مشروعات هذين القطاعين ولكن لا يقدم منحاً دراسية مباشرة إلا في حدود ضمن المشروعات التي يسهم في تمويلها .
سمو الأمير طلال :
المثال الذي ذكرته عن التخصصي يمكن أن يكون مع أي مستشفى أو مؤسسة علمية تعنى بأورام الأطفال .فالبرنامج لديه تجربة مشجعة في التعاون مع هذا القطاع في المجال الطبي حيث دعم عدداً من مؤسساته معنوياً ومالياً ، ويدعم مشروعات لجمعيات أهلية في المجال الصحي ، وهناك تعاون مباشر مع وزارة الصحة وعبر منظمة الصحة العالمية.
سمو الأمير طلال :
لقد تأسس المجلس عام 1987 م للعمل على دعم الجهود الحكومية والأهلية وتنسيقها ، وتشجيع وتبني الأفكار والدراسات والمشروعات المتميزة لرعاية الطفل العربي وإنمائه، والعمل على إدماج الأفكار التنموية ضمن خطط التنمية الوطنية ومشروعاتها . وتعطى الأولوية في تنفيذ المشروعات التي يقدمها المجلس إلى الأطفال الأكثر فقراً وحرماناً . والنتائج التي حققها المجلس جيدة وباعثة على الرضا والتفاؤل . أولاً : بفضل جهود المركز أصبحت قضايا الطفولة تقدم بطريقة علمية مدروسة للبحث عن حلول علمية أيضاً . ثانياً : نجاح المجلس ملحوظ في تحقيق أهم أهدافه وهو إيجاد التنسيق العربي حول قضايا الطفل ، واستقطاب الجهد الأهلي لدعم قضايا الطفل ، فالمجلس اسهم بدور رائد في إبراز قضايا مثل حقوق الطفل العربي ، أطفال الشوارع ، دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع. ومؤخراً صدر التقرير الثامن عن واقع الطفل العربي ، وهذا التقرير الدوري الزاخر هو من ثمرات مركز معلومات الطفولة الذي أنشأه المجلس عام 1990م . والمجلس مهتم بايجاد قنوات تواصل مع المؤسسات الوطنية التي تعنى بالطفل .
سمو الأمير طلال :
الجامعة العربية المفتوحة تأسست لسد العجز والثغرات في المجالات التي تعين مجتمعاتنا العربية وتؤهل الأجيال لمواكبة جديد العصر ، ولا شك أن الطفولة وقضاياها هي قضية الساعة عربياً . لأنه إذا لم نكن جادين في معالجة مشكلات الطفولة فستظل طموحاتنا نحو المستقبل قاصرة ، وخططنا متعثرة، لأننا دوماً سنفاجأ بأناس لم نكن نضعهم في الحسبان ولم نكن نقيم لهم وزناً ، أصبح لزاماً على المجتمع استيعابهم في مؤسساته التعليمية والصحية ، وغيرها ، وعلى هذا الاساس فكل خطة للتنمية لا تخصص فيها مساحات كافية للطفولة فإنها بلا أدنى شك تحمل أسباب إخفاقها. وهذه المسلمات التنموية حاضرة في خطط الجامعة العربية المفتوحة لتنفذ تريجياً حسب حاجة المجتمعات العربية . الآن هناك برامج في التربية وتدريب المعلمين ، وكل برنامج يخدم الطفل العربي ويحقق رسالة الجامعة سيلقى الاهتمام .
سمو الأمير طلال :
رجال الاعمال دورهم كبير ومهم ، وكثيرون لديهم مشاركات بارزة في أعمال البر والتنمية ، وتجربتنا معهم جيدة في التعاون مع أجفند ونشاطاته ، وآخر مثال ناجح في هذا الصدد مركز إبصار لتأهيل المعوقين بصرياً ، لقد تأسس هذا المركز بمبادرة من مسشتفيات المغربي للعيون وتعاون برنامج الخليج العربي ومشاركة عدد من رجال الأعمال . وأعتقد أن مركز الملك فهد لاورام الأطفال لو طرح تصوراً عملياً واضحاً لاستقطاب اسهامات رجال الأعمال فسيلقى التجاوب من عدد لابأس به . لأن هذا المركز يتسحق الدعم والمؤازرة . ومثل هذه الدعوة تعكس تشجيع الدور التنموي لقطاع الأعمال ، كما تعكس تعاون المجتمع المدني مع القطاع الخاص في مشاركة الحكومة وتخفيف الأعباء عنها ، وكل تقدم المجتمع وإزداد الوعي التنموي أصبح دور هذين القطاعين أكثر وضوحاً وتاثيراً . في الغرب إسهام القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني يتخذ صوراص عديدة ، فعلى سبيل المثال قد يقوم مستتشفى كامل على التبرعات سواء المادية أو العينية ، رجل اعمال يتبرع بتشييد عنبر أو غرفة العمليات أو تركيب مصعد فيكتب اسمه على الجزء الذي تبرع به، وهكذا تتكامل أقسام المستشفى ، ومثل ذلك في مرافق عامة أخرى . اتمنى أن ننتهج في بلادنا هذا الأسلوب الذي يجسد التعاون في افضل معانيه وصوره .
سمو الأمير طلال :
كما ذكرت في البداية لقد نشأت في كنف الوالد ـ رحمه الله ـ في ظل مناخ وتوجه يولي الاهتمام بالشأن العام وأعمال البر . المستشفى الذي أشرتم إليه في السؤال هو مستشفى الملك عبد العزيز ، مستشفى تعليمي تابع لجامعة الملك سعود . وهو أول مستشفى غير حكومي في الرياض ، لقد قمت بتأسيسه عام 1957م بتوجيه من الملك عبد العزيز وتم تخصيص 70% من إمكانياته للعلاج المجاني و 10 % لعلاج الأطفال ، ثم أهديت المستشفى فيما بعد للدولة .
سمو الأمير طلال :
صحيح ، جهود كثيرة تبذل والنتيجة لا ترقى إلى المستوى المأمول ، لماذا ؟ لغياب التنسيق . ففي ظل غياب التنسيق الجهود تهدر والأعمال تتكرر . وهذا من أهم أسباب تاسيس المجلس العربي للطفولة والتنمية ، وقد بدأ المجلس معالجة هذا الخلل عربياً وحقق نتائج جيدة كما ذكرت . ولكن وطنياً ما السبيل لمعالجة الخلل ، هل الحل في تأسيس مجالس عليا للطفولة ؟ لقد قمت بطرح هذا الخيار مطلع الثمانينيات ، وقد أخذت به بعض الدول العربية ، تونس على سبيل المثال لديها وزارة للطفل . إيجاد مثل هذه الجهة العليا يوفر فرص التنسيق دون أن يعني إلغاء أدوار الجهات الأخرى المساعدة مثل منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص . هنا في المملكة هناك أصوات تدعو الآن لقيام مجلس أعلى للطفل ، ونحن نؤيد هذه الدعوة ونباركها ومستعدون للتعاون ، وأن نقدم عبر أجفند والمجلس العربي للطفولة والتنمية كل ما يمكن أن يساعد في ذلك.
سمو الأمير طلال :
الاستثمار في الطفولة هو حجر الزاوية في تقدم الأمم ، والطفولة هي صحة وغذاء وتربية ومياه صالحة للشرب وبيئة يجب أن تهيأ لهم ، فنتعاون حكومة ومجتمع مدني وقطاع خاص كل بقدر استطاعته لنجنب أطفالنا النتائج المريعة التي تترتب على فقدان إي من هذه المقومات.