جريدة النهار اللبنانية
14\7\2012
بقلم صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز
كنت تقول: "إنك نادمٌ على أنّ الصحافة استغرقتك"، ولم تدع لك الوقت الذي تريد للإبحار في عالم الفكر والفلسفة، ولم تكن تعرف أنك كنت في محرق الفكر والفلسفة، كنت معلماً وفيلسوفاً في أدائك، آمنت بهويتك في العروبة، ومارست ذلك بوعي وأمانة، وآمنت بوطنك فكان قلمك سناناً وأي سنان.
وفي مسيرة حياتنا التقينا من ضمن ما التقينا في مشروع ثقافي مشترك أثمر سلسلة من الكتب بالتعاون بين "دار النهار" ومؤسستنا "منشورات الفاخرية" فاقت الأربعة عشر كتاباً، فكان منها:
(فكرة التاريخ عند العرب، 1997م) (المعجزية الاقتصادية من المدن الفينيقية إلى اليابان، 1997م) (أمة في شقاق... دروب كردستان كما سلكتها، 1997م) (جزيرة زنجبار... التاريخ والاستراتيجيا في المحيط الهندي 1799-1856) (الوسط والأطراف... مقارنة شاملة لمياه الشرق الأوسط، 1998م) (أمريكا والإسلام السياسي صراع حضارات أم صراع المصالح، 1998م) (البرج ساحة الحرية وبوابة الشرق 2000م) (فرنسا ومسار العولمة، 2001م) (تفكك أوصال الدولة في لبنان، 2002م) (لبنان في مدار العنف، 2002م) (ملعون هو صانع السلام، 2002م) (الإنجيل برواية المسلمين، 2003م) (أمريكا والعالم إغراء القوة ومداها، 2005م) (ماوتسي تونغ القصة المجهولة، 2007م).
في مسيرة حياتنا عرفت فيك الإنسان الكبير المتواضع، والصديق الناصح، ذلك الرجل الذي أصابه من المصائب ما يكفي لأن تهد إحداها الجبال، وكان أمامها ذلك المتزن الصبور الجلد، فقدت أبناءك واحداً تلو الآخر وفقدت رفيقة عمرك، وبقيت عملاقاً، "غسان تويني" حامل همّ أمّته ووطنه في زمن صعب، ومستقبل يحيط به الغموض، ومع ذلك ظللت سائراً ولا زاد لك الاّ إيمانك وآمالك وهي لوافح.
غسان تويني لا يصح أن يقال عنه إنه ذهب، فهل ذهب تألق تلك السلسلة التي لم تنقطع من مسيحيي الشرق العربي من حُنين بن اسحق في خلافة المأمون وصولاً الى آل البستاني وآل الفاخوري وأمين الريحاني في لبنان الى غسان تويني، هؤلاء الذين ساهموا في بناء الحضارة العربية والإسلامية في الترجمة والأدب واللغة والفكر وسائر العلوم والفنون.
وأقول لصغيرتي "نايلة تويني واخواتها": إنّ قلم جدك غسان ووالدك جبران وقلبهما باقيان يا ابنتي طالما هناك عقول واعية تحسن الحفاظ على هذا الإرث العظيم، وطالما هناك وجدان جمعيٌ لأمة تريد أن تعيش وتتقدم، فتنهل من فكره وتستلهم مواقفه.
وأقول لرفيقة دربه شادية الخازن و إبنتي نايلة جبران وأخواتها كان من الواجب واللائق أن أكون في أوائل من يصل الى بيروت ليقف مع آل غسان تويني فأجبرني ألم الظهر أن أنيب عنّي ابني تركي الذي أعرف ما يكن في قلبه لذلك الرجل العظيم.
أمام رجال مثل غسان تويني لا يجوز أن يتقدم أحدٌ الى أحدٍ بالعزاء - فالكل بحاجة الى العزاء في غسان، وإن في أمثاله العزاء، يكفينا أننا عشنا في زمن غسان تويني.